إن تسبحة كيهك التي تُصلى ليالي الآحاد الكيهكية هي تسبحة كل أحد على مدار السنة.. لأنه هو يوم القيامة، الذي تحتفل فيه الكنيسة بهذه الذكرى أسبوعيًا، بسهرها حتى طلوع الفجر الذي قام فيه السيد المسيح.
وعند طلوع الفجر كانت البُشرى الملائكية بدحرجة الحجر، وإعلان القيامة المجيدة.
* فبعد أن تُصلى صلوات مزامير نصف الليل بخدماتها الثلاثة.. يُقرأ في أول خدمة: إنجيل لقاء العريس مع العذارى اللواتي استعددن بإيقادهن مصابيحهن.. (مت25: 1-13).
* وفي الخدمة الثانية نصلي إنجيل التوبة “المرأة الخاطئة”، ولقاء المحبة مع السيد المسيح في بيت الفريسي، فنشتم رائحة طيب عطرة (هي أصلًا رائحة دموع المرأة الخاطئة وليست رائحة الطيب المسكوب).. فدموعها التي بللت بها قدمي المُخلّص هي أقصر قيمة وأريجًا من رائحة الطيب المسكوب.. (لو7: 36-50).
* ونختم صلوات الخدمة الثالثة بوعد الراعي لقطيعه بعدم الخوف من أي شيء.. هذا القطيع ولو أنه صغير ومفروز من العالم، لكنه بإطاعته لراعيه أصبح الرب من نصيبه ومن حقه أن يرث الملكوت.. (لو 12: 32-40).
* وتبدأ التسبحة بلحن نُصليه يوميًا.. وهو لحن (تين ثينو Ten;ynou)، ومعناه: “قوموا يا بني النور لنسبح رب القوات“.. وهنا نجد الكنيسة تحثنا على السهر، الذي هو تعبير عن الوقوف في نور السيد المسيح، لنسبح رب القوات، لأن بنوره نعاين النور.. وهنا ينطبق قول بولس الرسول: “جَمِيعُكُمْ أَبْنَاءُ نُورٍ وَأَبْنَاءُ نَهَارٍ. لَسْنَا مِنْ لَيْل وَلاَ ظُلْمَةٍ. فَلاَ نَنَمْ إِذًا كَالْبَاقِينَ، بَلْ لِنَسْهَرْ وَنَصْحُ… فَلْنَصْحُ لاَبِسِينَ دِرْعَ الإِيمَانِ وَالْمَحَبَّةِ، وَخُوذَةً هِيَ رَجَاءُ الْخَلاَصِ” (1تس5: 4-8).
* وكلمة “اسهروا” نجدها من أكثر الكلمات التي تكررت في الأناجيل، لأنها هي متعة روحية تنعش الروح، وتجدد النفس، وتقوي العلاقة بين الإنسان والله.
أقسام تسبحة 7 و 4
تسمى التسبحة الكيهكية (7 و4) لأنها تتكون من أربع هوسات، ويعقبها سبع إبصاليات، ثم سبع ثيؤطوكيات، مرتبة على سبعة أيام الأسبوع، وقد تحدثنا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام أخرى.. وكل يوم من أيام الأسبوع له “إبصالية” و”ثيؤطوكية” الخاصة به، وهذا بخلاف المدائح العربية والابصاليات القبطية المرتبة على الأربع هوسات.. والهدف من ذلك هو إطالة وقت التسبيح الذي نتمتع به في تسبيح رب القوات وخالق الكل.. وأيضًا الطروحات المترتبة على الهوسات والمَجمَع والثيؤطوكيات، التي تفسر لنا مع تذكرة ما نركز عليه في هذا اليوم. وإليك فكرة بسيطة عن ترتيب التسبحة:
(1) الهوس الأول
هو عبارة عن تسبحة موسى النبي والشعب كله عندما عبروا البحر الأحمر، وهى المسجلة بالتفصيل فيسف الخروج (خر 15)..
“حِينَئِذٍ رَنَّمَ مُوسَى وَبَنُو إِسْرَائِيلَ هذِهِ التَّسْبِيحَةَ لِلرَّبِّ وَقَالُوا: “أُرَنِّمُ لِلرَّبِّ فَإِنَّهُ قَدْ تَعَظَّمَ. الْفَرَسَ وَرَاكِبَهُ طَرَحَهُمَا فِي الْبَحْرِ. الرَّبُّ قُوَّتِي وَنَشِيدِي، وَقَدْ صَارَ خَلاَصِي. هذَا إِلهِي فَأُمَجِّدُهُ، إِلهُ أَبِي فَأُرَفِّعُهُ. الرَّبُّ رَجُلُ الْحَرْبِ. الرَّبُّ اسْمُهُ. مَرْكَبَاتُ فِرْعَوْنَ وَجَيْشُهُ أَلْقَاهُمَا فِي الْبَحْرِ، فَغَرِقَ أَفْضَلُ جُنُودِهِ الْمَرْكَبِيَّةِ فِي بَحْرِ سُوفَ، تُغَطِّيهِمُ اللُّجَجُ. قَدْ هَبَطُوا فِي الأَعْمَاقِ كَحَجَرٍ. يَمِينُكَ يَا رَبُّ مُعْتَزَّةٌ بِالْقُدْرَةِ. يَمِينُكَ يَا رَبُّ تُحَطِّمُ الْعَدُوَّ. وَبِكَثْرَةِ عَظَمَتِكَ تَهْدِمُ مُقَاوِمِيكَ. تُرْسِلُ سَخَطَكَ فَيَأْكُلُهُمْ كَالْقَشِّ، وَبِرِيحِ أَنْفِكَ تَرَاكَمَتِ الْمِيَاهُ. انْتَصَبَتِ الْمَجَارِيَ كَرَابِيَةٍ. تَجَمَّدَتِ اللُّجَجُ فِي قَلْبِ الْبَحْرِ. قَالَ الْعَدُوُّ: أَتْبَعُ، أُدْرِكُ، أُقَسِّمُ غَنِيمَةً. تَمْتَلِئُ مِنْهُمْ نَفْسِي. أُجَرِّدُ سَيْفِي. تُفْنِيهِمْ يَدِي. نَفَخْتَ بِرِيحِكَ فَغَطَّاهُمُ الْبَحْرُ. غَاصُوا كَالرَّصَاصِ فِي مِيَاهٍ غَامِرَةٍ. مَنْ مِثْلُكَ بَيْنَ الآلِهَةِ يَا رَبُّ؟ مَنْ مِثْلُكَ مُعْتَزًّا فِي الْقَدَاسَةِ، مَخُوفًا بِالتَّسَابِيحِ، صَانِعًا عَجَائِبَ؟ تَمُدُّ يَمِينَكَ فَتَبْتَلِعُهُمُ الأَرْضُ. تُرْشِدُ بِرَأْفَتِكَ الشَّعْبَ الَّذِي فَدَيْتَهُ. تَهْدِيهِ بِقُوَّتِكَ إِلَى مَسْكَنِ قُدْسِكَ. يَسْمَعُ الشُّعُوبُ فَيَرْتَعِدُونَ. تَأْخُذُ الرَّعْدَةُ سُكَّانَ فِلِسْطِينَ. حِينَئِذٍ يَنْدَهِشُ أُمَرَاءُ أَدُومَ. أَقْوِيَاءُ مُوآبَ تَأْخُذُهُمُ الرَّجْفَةُ. يَذُوبُ جَمِيعُ سُكَّانِ كَنْعَانَ. تَقَعُ عَلَيْهِمِ الْهَيْبَةُ وَالرُّعْبُ. بِعَظَمَةِ ذِرَاعِكَ يَصْمُتُونَ كَالْحَجَرِ حَتَّى يَعْبُرَ شَعْبُكَ يَا رَبُّ. حَتَّى يَعْبُرَ الشَّعْبُ الَّذِي اقْتَنَيْتَهُ. تَجِيءُ بِهِمْ وَتَغْرِسُهُمْ فِي جَبَلِ مِيرَاثِكَ، الْمَكَانِ الَّذِي صَنَعْتَهُ يَا رَبُّ لِسَكَنِكَ الْمَقْدِسِ الَّذِي هَيَّأَتْهُ يَدَاكَ يَا رَبُّ. الرَّبُّ يَمْلِكُ إِلَى الدَّهْرِ وَالأَبَدِ”. فَإِنَّ خَيْلَ فِرْعَوْنَ دَخَلَتْ بِمَرْكَبَاتِهِ وَفُرْسَانِهِ إِلَى الْبَحْرِ، وَرَدَّ الرَّبُّ عَلَيْهِمْ مَاءَ الْبَحْرِ. وَأَمَّا بَنُو إِسْرَائِيلَ فَمَشَوْا عَلَى الْيَابِسَةِ فِي وَسَطِ الْبَحْرِ. فَأَخَذَتْ مَرْيَمُ النَّبِيَّةُ أُخْتُ هَارُونَ الدُّفَّ بِيَدِهَا، وَخَرَجَتْ جَمِيعُ النِّسَاءِ وَرَاءَهَا بِدُفُوفٍ وَرَقْصٍ. وَأَجَابَتْهُمْ مَرْيَمُ: “رَنِّمُوا لِلرَّبِّ فَإِنَّهُ قَدْ تَعَظَّمَ. الْفَرَسَ وَرَاكِبَهُ طَرَحَهُمَا فِي الْبَحْرِ…” (خر 15: 1-21).
* والبحر الأحمر هنا يذكرنا أنه كان رمزًا للمعمودية، التي تُعتبر حدًا فاصلًا بين فرعون وجنوده، وبين الشعب الماشي في البرية مع إلهه.
فالكنيسة بعبور أولادها في مياه المعمودية.. هي الآن في برية العالم، وترنم تسبحة الغلبة والخلاص (ترنيمة موسى).. فهي تُرتلها كل يوم إلى أن تُرتلها في تمام الغلبة والنُصرة في الأبدية.. كما ذكر ذلك مُعلمنا يوحنا الرائي..
“ثُمَّ رَأَيْتُ آيَةً أُخْرَى فِي السَّمَاءِ، عَظِيمَةً وَعَجِيبَةً: سَبْعَةَ مَلاَئِكَةٍ مَعَهُمُ السَّبْعُ الضَّرَبَاتُ الأَخِيرَةُ، لأَنْ بِهَا أُكْمِلَ غَضَبُ اللهِ. وَرَأَيْتُ كَبَحْرٍ مِنْ زُجَاجٍ مُخْتَلِطٍ بِنَارٍ، وَالْغَالِبِينَ عَلَى الْوَحْشِ وَصُورَتِهِ وَعَلَى سِمَتِهِ وَعَدَدِ اسْمِهِ، وَاقِفِينَ عَلَى الْبَحْرِ الزُّجَاجِيِّ، مَعَهُمْ قِيثَارَاتُ اللهِ، وَهُمْ يُرَتِّلُونَ تَرْنِيمَةَ مُوسَى عَبْدِ اللهِ، وَتَرْنِيمَةَ الْخَرُوفِ قَائِلِينَ: “عَظِيمَةٌ وَعَجِيبَةٌ هِيَ أَعْمَالُكَ أَيُّهَا الرَّبُّ الإِلهُ الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ! عَادِلَةٌ وَحَق هِيَ طُرُقُكَ يَا مَلِكَ الْقِدِّيسِينَ! مَنْ لاَ يَخَافُكَ يَارَبُّ وَيُمَجِّدُ اسْمَكَ؟ لأَنَّكَ وَحْدَكَ قُدُّوسٌ، لأَنَّ جَمِيعَ الأُمَمِ سَيَأْتُونَ وَيَسْجُدُونَ أَمَامَكَ، لأَنَّ أَحْكَامَكَ قَدْ أُظْهِرَتْ” (رؤ15 : 1–4).
* ومن هنا نجد ارتباطًا قويًا بين كنيسة العهد القديم في رموزها، وبين كنيسة العهد الجديد.. كنيسة تحقيق الرموز.
إن الكنيسة اليوم ترتل ترنيمة الغلبة وهي عابرة بحر هذا العالم، لتؤكد لنا نصرتنا على العالم وشهواته، ولترفع من أرواحنا المعنوية في جهادنا وحربنا الغير منظورة مع قوات الشر الروحية، وأيضا تأكيدًا لقوة الله وروحه القدوس الذي يعمل فيها.. فهي سر نصرتنا.. فهي تؤكد لنا أن الشيطان قد ذُل وهو يغوص مثل الرصاص في بحر ليس له قرار.. أي جرن المعمودية).
(2) الهوس الثاني
هو عبارة عن المزمور (135):
“هَلِّلُويَا. سَبِّحُوا اسْمَ الرَّبِّ. سَبِّحُوا يَا عَبِيدَ الرَّبِّ، الْوَاقِفِينَ فِي بَيْتِ الرَّبِّ، فِي دِيَارِ بَيْتِ إِلهِنَا. سَبِّحُوا الرَّبَّ لأَنَّ الرَّبَّ صَالِحٌ. رَنِّمُوا لاسْمِهِ لأَنَّ ذَاكَ حُلْوٌ. لأَنَّ الرَّبَّ قَدِ اخْتَارَ يَعْقُوبَ لِذَاتِهِ، وَإِسْرَائِيلَ لِخَاصَّتِهِ. لأَنِّي أَنَا قَدْ عَرَفْتُ أَنَّ الرَّبَّ عَظِيمٌ، وَرَبَّنَا فَوْقَ جَمِيعِ الآلِهَةِ. كُلَّ مَا شَاءَ الرَّبُّ صَنَعَ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الأَرْضِ، فِي الْبِحَارِ وَفِي كُلِّ اللُّجَجِ. الْمُصْعِدُ السَّحَابَ مِنْ أَقَاصِي الأَرْضِ. الصَّانِعُ بُرُوقًا لِلْمَطَرِ. الْمُخْرِجُ الرِّيحِ مِنْ خَزَائِنِهِ. الَّذِي ضَرَبَ أَبْكَارَ مِصْرَ مِنَ النَّاسِ إِلَى الْبَهَائِمِ. أَرْسَلَ آيَاتٍ وَعَجَائِبَ فِي وَسَطِكِ يَا مِصْرُ، عَلَى فِرْعَوْنَ وَعَلَى كُلِّ عَبِيدِهِ. الَّذِي ضَرَبَ أُمَمًا كَثِيرَةً، وَقَتَلَ مُلُوكًا أَعِزَّاءَ: سِيحُونَ مَلِكَ الأَمُورِيِّينَ، وَعُوجَ مَلِكَ بَاشَانَ، وَكُلَّ مَمَالِكِ كَنْعَانَ. وَأَعْطَى أَرْضَهُمْ مِيرَاثًا، مِيرَاثًا لإِسْرَائِيلَ شَعْبِهِ. يَا رَبُّ، اسْمُكَ إِلَى الدَّهْرِ. يَا رَبُّ، ذِكْرُكَ إِلَى دَوْرٍ فَدَوْرٍ. لأَنَّ الرَّبَّ يَدِينُ شَعْبَهُ، وَعَلَى عَبِيدِهِ يُشْفِقُ. أَصْنَامُ الأُمَمِ فِضَّةٌ وَذَهَبٌ، عَمَلُ أَيْدِي النَّاسِ. لَهَا أَفْوَاهٌ وَلاَ تَتَكَلَّمُ. لَهَا أَعْيُنٌ وَلاَ تُبْصِرُ. لَهَا آذَانٌ وَلاَ تَسْمَعُ. كَذلِكَ لَيْسَ فِي أَفْوَاهِهَا نَفَسٌ! مِثْلَهَا يَكُونُ صَانِعُوهَا، وَكُلُّ مَنْ يَتَّكِلُ عَلَيْهَا. يَا بَيْتَ إِسْرَائِيلَ، بَارِكُوا الرَّبَّ. يَا بَيْتَ هَارُونَ، بَارِكُوا الرَّبَّ. يَا بَيْتَ لاَوِي، بَارِكُوا الرَّبَّ. يَا خَائِفِي الرَّبِّ، بَارِكُوا الرَّبَّ. مُبَارَكٌ الرَّبُّ مِنْ صِهْيَوْنَ، السَّاكِنُ فِي أُورُشَلِيمَ. هَلِّلُويَا”.
فهذا المزمور هو تسبحة شكر خالص لله.. وهذا الشكر هو الذي تُقدمهُ الكنيسة لله خالقها ومدبرها وراعيها من أجل محبته لها ولنا.. (فالكنيسة هي نحن).. فهو الذي أنقذها عندما عبر بنا بحر الموت، وقد أعالنا في البرية، ويعولنا حتى اليوم في برية العالم، ويقوتنا بجسده ودمه الأقدسين، كما أعال الشعب في البرية أربعين سنة.. وثيابه لم تُبلى، ونِعال رجليه لم تتهرأ، وأعطاهم المَن من السماء.. فهو أعطانا اليوم المَن السماوي الذي يأكل منه لا يموت إلى الأبد.
إن الشكر هو طبيعة الكنيسة المجاهدة كل يوم.. فكما قال مار إسحق:“ليست موهبة (عطية) بلا زيادة إلاَّ التي بلا شكر”.. فنحن نشكره لأنه يحتمل ضعفاتنا البشرية، ويستر ضعف طبيعتنا الساقطة، ويغسل أرجلنا التي اتسخت بخطايا وأقذار العالم بالتوبة والاعتراف، ويجدد طبيعتنا، ويعطينا الحياة بدل الموت بالإفخارستيا أي جسده ودمه الحاضرين كل يوم على المذبح.. فهو يقودنا في موكب نصرته من مجد إلى مجد.
(3) الهوس الثالث
هو عبارة عن تسبحة الثلاثة فتية القديسين (وهذه التسبحة مدونة في الكتاب المقدس وقد حذفها البروتستانت في طبعة بيروت).. وملخص هذه التسبحة هو أن الملك أمر بإلقاء الثلاثة فتية القديسين في أتون النار المتقدة.. فرغم أن النار لم تنطفئ لكنها لم تمسهم بأي أذى، ثم بعد ذلك اكتشف الملك وجود شخص رابع (شبيه بابن الآلهة) يتمشى معهم وسط الآتون.. وهذا الهوس ترتله الكنيسة بنغمة الابتهاج والفرح، لتعلن لنا هذه المعاني الروحية السامية وهي:
* أن السلام الداخلي لا يُعني زوال التجارب والآلام عنا.. لكنه يعني وجود الله معنا في وسط نيران العالم.. فمفهوم التجربة في المسيحية هي أنها لا تحل بزوالها، ولكن باجتياز الرب معنا في هذه التجربة، وبحمله الصليب معنا.. أي الوجود الدائم معنا.
فالشهيد اسطفانوس كان يُرجم بالحجارة وعظامه تتفتت، ولحم جسمه يتهرأ من الحجارة.. ولكنه كان يرى ابن الإنسان قائمًا عن يمين العظمة.. فكان شاخصًا للسماء، ولا يبالي بالحجارة ولا الراجمين.
* أن نار العالم لازمة لتجربة الكنيسة.. (الكنيسة كجماعة ونحن كأشخاص في هذه الجماعة)، ولكن الله الرؤوف الحنون واقف في وسط هذا الأتون (التجارب القاسية)، فيحول النار إلى ندى بارد.
* هذه التسبحة تجمع في مشهد واحد وجودها في الحاضر الزمني المؤلم (الأتون)، ووجودها في الأبدية السعيدة (ابن الآلهة الموجود في الآتون).. “الخَروفَ الذي في وسطِ العَرشِ يَرعاهُمْ” (رؤ7: 17).. فهي في نار العالم وهى في حضرة الله والسعادة الأبدية.
* أن هذه التسبحة تحمل معنى الغلبة بقوة الصليب، بسر الرابع، الشبيه بابن الآلهة فنهتف كلنا بصوت الفرح والتهليل: “سبحوه مجدوه زيده علوًا”، وهو المَرَد المتكرر في كل أرباع الهوس الثالث.
* وهو اللحن الرائع الذي نتغنى به على مدار ما يقرب من الخمسة عشر دقيقة في تناغم ليس له مثيل في لحن (هوس ايروف \wc `erof)، وهو يقال في آخر ربع من أرباع هذا الهوس.. لنعبر عن فرحتنا بإلهنا الذي لا يتركنا حتى ونحن في آتون النار.
ولعل هذا ما يجعلنا نجد أن الهوس الثالث هو أكبر جزء في التسبحة اليومية بألحانها العديدة والجميلة والرائعة.. فنحن في ختام الهوس الثالث نقول الألحان الآتية:
(1) ازمو ابشويس `Cmou `e`P[oic
(2) هوس ايروف \wc `erof
(3) آري هواؤ تشاسف `arihou`o [acf
(5) تنين ولحنه الممتع الرائع
(6) تين أويه انسوك Tenoueh `ncwk
كل هذا كختام للهوس الثالث.. ولنلاحظ أن إبصالية أربسالين نجدها تبدأ بـ:
“رتلوا للذي صلب عنا وقبر وقام وأبطل الموت وأهانه سبحوه وزيده علوا”.. ونعقبها بعد ذلك بلحن تينين، وهى القطعة اليونانية التي تقال للثلاثة فتية القديسين، ونقول فيها: “فمن ثم تقدم الذبيحة والعبادة العقلية. ونرسل لك في هذا اليوم التسابيح لدى مجدك يا مخلصنا.. حنانيا وعزاريا وميصائيل…. يسبحون ويباركون الله كل حين”.
* ثم نتبعها بلحن للثلاثة فتية القديسين أيضًا هو (تين اويه انسوك) بلحنه الكيهكي الرائع الذي نقول فيه: “نتبعك بكل قلوبنا ونخافك ونطلب وجهك يا الله لا تحزنا…”.
* وأخيرًا نقول بعد هذه الألحان الجميلة (مجمع الآباء القديسين)، الذي هو امتداد للثلاثة فتية.. فكما شهدوا هؤلاء الثلاثة أمام الملك نبوخذ نصر، كذلك هؤلاء الشهداء والقديسين شهدوا أمام الولاة وأمام الكل بحياتهم حسب المسيح.
* فكمثل إحساس الكنيسة بوجود الله مع الثلاثة فتية القديسين في أتون نار هذا العالم.. هكذا يتدرج بإحساس المجاهدين والعابدين بعمق الشركة والعلاقة القوية التي تربط بين الكنيسة المجاهدة والكنيسة المنتصرة.. يجمعها هدف واحد وروح واحدة.
* فالعضوية هي جسد واحد يقرب بينهما اشتياق لا مثيل له، لملاقاة الرب على السحاب حيث نكون مع الرب كل حين.. “ثُمَّ نَحْنُ الأَحْيَاءَ الْبَاقِينَ سَنُخْطَفُ جَمِيعًا مَعَهُمْ فِي السُّحُبِ لِمُلاَقَاةِ الرَّبِّ فِي الْهَوَاءِ، وَهكَذَا نَكُونُ كُلَّ حِينٍ مَعَ الرَّبِّ” (1تس4: 17).
* فنجد المجمع يبدأ بشفاعة السيدة العذراء كلية الطهر والقداسة مريم والدة الإله، ثم رؤساء الملائكة وبقية رتب السمائيين، والأربعة وعشرون قسيسًا ويوحنا المعمدان، ثم طلب صلوات القديسين ابتداء من البطاركة الأولين (إبراهيم وإسحق ويعقوب)، ثم الآباء الرسل والأنبياء والشهداء والنساك والرهبان.. إلى أن نصل إلى طلب صلوات البابا البطريرك اعترافًا منا أننا كنيسة آباء وكنيسة رسولية.. هؤلاء أجدادنا والأحياء الآن آباءنا ونخضع لهم بكل ترتيب ونظام.
* فنحن نطلب صلوات الآباء الرسل والأنبياء والشهداء والقديسين.. فهم بمثابة سحابة الشهود التي لنا في السماء تطلب من أجلنا ليلًا نهارًا.. وكل منهم يتطلع لنظيره متمثلًا بسيرته طالبًا معونته.. هؤلاء هم الموجودون تحت المذبح في السماء يصلون من أجل المضطهدين والمتضايقين من اجل المسيح.
وأيضا المئة والأربعة والأربعون ألفًا البتوليون يطلبون من أجل الذين اشتهوا بحياة البتولية والقداسة في السيد المسيح، وأيضًا الغالبون عند البحر البلوري يطلبون من أجل شبابنا المسيحي العفيف المجاهد حتى الدم ضد الخطية.
فالمجتمع يعتبر لحظة من لحظات التجلي على قمة جبل الرب العالي (وهو الكنيسة)، حيث يشمخ الرب يسوع المسيح بين موسى وإيليا (أبطال العهد القديم)، والتجلي ما هو إلا حالة الصلاة التي يجتمع فيها الرب يسوع مع قديسيه.. فلا فارق بينهما في عنصري الزمان والمكان.. إنها الأبدية الجميلة.
(4) الهوس الرابع
الهوس الرابع يتكون من ثلاثة مزامير هم: (مز148، 149، 150)..
“هَلِّلُويَا. سَبِّحُوا الرَّبَّ مِنَ السَّمَاوَاتِ. سَبِّحُوهُ فِي الأَعَالِي. سَبِّحُوهُ يَا جَمِيعَ مَلاَئِكَتِهِ. سَبِّحُوهُ يَا كُلَّ جُنُودِهِ. سَبِّحِيهِ يَا أَيَّتُهَا الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ. سَبِّحِيهِ يَا جَمِيعَ كَوَاكِبِ النُّورِ. سَبِّحِيهِ يَا سَمَاءَ السَّمَاوَاتِ، وَيَا أَيَّتُهَا الْمِيَاهُ الَّتِي فَوْقَ السَّمَاوَاتِ. لِتُسَبِّحِ اسْمَ الرَّبِّ لأَنَّهُ أَمَرَ فَخُلِقَتْ، وَثَبَّتَهَا إِلَى الدَّهْرِ وَالأَبَدِ، وَضَعَ لَهَا حَدًّا فَلَنْ تَتَعَدَّاهُ. سَبِّحِي الرَّبَّ مِنَ الأَرْضِ، يَا أَيَّتُهَا التَّنَانِينُ وَكُلَّ اللُّجَجِ. النَّارُ وَالْبَرَدُ، الثَّلْجُ وَالضَّبَابُ، الرِّيحُ الْعَاصِفَةُ الصَّانِعَةُ كَلِمَتَهُ، الْجِبَالُ وَكُلُّ الآكَامِ، الشَّجَرُ الْمُثْمِرُ وَكُلُّ الأَرْزِ، الْوُحُوشُ وَكُلُّ الْبَهَائِمِ، الدَّبَّابَاتُ وَالطُّيُورُ ذَوَاتُ الأَجْنِحَةِ، مُلُوكُ الأَرْضِ وَكُلُّ الشُّعُوبِ، الرُّؤَسَاءُ وَكُلُّ قُضَاةِ الأَرْضِ، الأَحْدَاثُ وَالْعَذَارَى أَيْضًا، الشُّيُوخُ مَعَ الْفِتْيَانِ، لِيُسَبِّحُوا اسْمَ الرَّبِّ، لأَنَّهُ قَدْ تَعَالَى اسْمُهُ وَحْدَهُ. مَجْدُهُ فَوْقَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتِ. وَيَنْصِبُ قَرْنًا لِشَعْبِهِ، فَخْرًا لِجَمِيعِ أَتْقِيَائِهِ، لِبَنِي إِسْرَائِيلَ الشَّعْبِ الْقَرِيبِ إِلَيْهِ. هَلِّلُويَا” (مز 148).
“هَلِّلُويَا. غَنُّوا لِلرَّبِّ تَرْنِيمَةً جَدِيدَةً، تَسْبِيحَتَهُ فِي جَمَاعَةِ الأَتْقِيَاءِ. لِيَفْرَحْ إِسْرَائِيلُ بِخَالِقِهِ. لِيَبْتَهِجْ بَنُو صِهْيَوْنَ بِمَلِكِهِمْ. لِيُسَبِّحُوا اسْمَهُ بِرَقْصٍ. بِدُفّ وَعُودٍ لِيُرَنِّمُوا لَهُ. لأَنَّ الرَّبَّ رَاضٍ عَنْ شَعْبِهِ. يُجَمِّلُ الْوُدَعَاءَ بِالْخَلاَصِ. لِيَبْتَهِجِ الأَتْقِيَاءُ بِمَجْدٍ. لِيُرَنِّمُوا عَلَى مَضَاجِعِهِمْ. تَنْوِيهَاتُ اللهِ فِي أَفْوَاهِهِمْ، وَسَيْفٌ ذُو حَدَّيْنِ فِي يَدِهِمْ. لِيَصْنَعُوا نَقْمَةً فِي الأُمَمِ، وَتَأْدِيبَاتٍ فِي الشُّعُوبِ. لأَسْرِ مُلُوكِهِمْ بِقُيُودٍ، وَشُرَفَائِهِمْ بِكُبُول مِنْ حَدِيدٍ. لِيُجْرُوا بِهِمُِ الْحُكْمَ الْمَكْتُوبَ. كَرَامَةٌ هذَا لِجَمِيعِ أَتْقِيَائِهِ. هَلِّلُويَا” (مز 149).
“هَلِّلُويَا. سَبِّحُوا اللهَ فِي قُدْسِهِ. سَبِّحُوهُ فِي فَلَكِ قُوَّتِهِ. سَبِّحُوهُ عَلَى قُوَّاتِهِ. سَبِّحُوهُ حَسَبَ كَثْرَةِ عَظَمَتِهِ. سَبِّحُوهُ بِصَوْتِ الصُّورِ. سَبِّحُوهُ بِرَبَابٍ وَعُودٍ. سَبِّحُوهُ بِدُفّ وَرَقْصٍ. سَبِّحُوهُ بِأَوْتَارٍ وَمِزْمَارٍ. سَبِّحُوهُ بِصُنُوجِ التَّصْوِيتِ. سَبِّحُوهُ بِصُنُوجِ الْهُتَافِ. كُلُّ نَسَمَةٍ فَلْتُسَبِّحِ الرَّبَّ. هَلِّلُويَا” (مز 150).
هذه المزامير كلها عبارة عن تسبيح، وهذا التسبيح هو عمل الملائكة، وهو عمل الكنيسة الدائم في السماء، وعمل القديسين وكل الخليقة أيًا كانت.. إنسان أم حيوان أم نبات أم جماد.. الكل يمجد الله في صورة منقطعة النظير.
فأتركك أيها الفادي العزيز لنتمعن في كلمات الهوس الرابع الرائعة، وأذكرك أنك الآن تعرفت على معنى أربعة.. وبقي أن نتعرف عن جمال سبعة في التسبحة الكيهكية (سبعة وأربعة) وهذا ما سوف نلتقي به في المقال القادم إن شاء الله.
لإلهنا كل المجد والإكرام من الآن وإلى الأبد آمين.